وكان يسيل لعاب كل المسؤولين الجزائريين قبل أن تخطفه فرنسا ليلعب في صفوفها وفاز معها ببطولة كأس العالم للناشئين، لكن القدر أبى إلا أن يعود من جديد إلى المنتخب الوطني الجزائري ليقوده إلى انتصارات عظيمة• ويعبّد طريقه إلى المونديال مع مجموعة من اللاعبين المحترفين، الذين رحبوا به بحفاوة وأدمجوه في عائلة الأفناك، ليلقبه النقاد والأنصار وحتى زملائه في المنتخب، زيزو الجزائر، نظرا لرشاقته الكبيرة وأسلوبه في مداعبة الكرة ومراوغة لاعبي الخصم، مما رشّحه ليكون مدلل الأنصار في المنتخب الوطني• يومية ''الفجر'' انتقلت إلى المنطقة التي ترعرع فيها وهي ''أولاد هداج'' بولاية بومرداس، والتي اشتهرت بلاعبها مغني الذي يعتبر مفخرتها ومفخرة مدينة الرغاية بصفة عامة•
قبل دخول الاحتراف
القصة بدأت بتنقل والده للعيش في إيطاليا سنة 68
على غرار ملايين الجزائريين الذين اختاروا الغربة وهجرة الجزائر بحثا عن ظروف عيش أحسن، اختار والد مراد التنقل إلى فرنسا لكسب قوت يومه والخروج من الوضعية الحرجة التي كان يعيشها مع عائلته في ''أولاد هداج''• فبدأت قصة الوالد مع أوروبا سنة 68 بعدما بقي هناك وتزوج لينجب أولادا في أوروبا، من بينهم مراد الذي لم يكن أحد يتصور، حينها، أنه سيكون نجما كبيرا• عاش أبوه في فرنسا بصعوبة كبيرة حتى تمكّن من الاستقرار بشكل جيد موفرا لأبنائه معيشة رفيعة المستوى ليتمكّنوا من الدراسة والتكوين، ومن هنا بدأت قصة مراد مغني•
والد مراد كان يشترط عليه التفوق الدراسي للسماح له بالقدوم للجزائر صيفا
مراد الذي كان محبا للوطن منذ نعومة أظافره، كان في كل مرة يحب المجيء إلى أولاد هداج كي يقضي عطلة الصيف أو الشتاء، وسط مجموعة من رفقاء الطفولة ممن لا زال يعشق الالتقاء بهم لحد الآن• كان في كل مرة يترجى أبوه كي يتمكّن من القدوم إلى أرض الوطن، لكن الوالد كان في كل مرة يشترط على مراد نتائج ممتازة في الدراسة كي يسمح له بالتنقل إلى الرغاية وبالضبط إلى أولاد هداج كي يقضي ثلاثة أشهر كاملة مع أصحابه في الحي• وكان في كل مرة يحاول جاهدا كي يتفوق دراسيا للقدوم إلى الجزائر ولشدة ارتباطه بالوطن منذ الصغر وعشقه القدوم إليه•
يعشق اللعب في التراب والسباحة في ''روشي بومطاح''
من بين الأسرار التي تحصلنا عليها، حسب شهادات عائلة مغني مراد، هو حبه الكبير للعب كرة القدم مع الأصدقاء في الحي وسط التراب والوحل، حيث تعلم الكثير من الفنيات والمراوغات في تربة ''أولاد هداج''، وكان يلعب كثيرا مع شبان أكبر منه سنا، لكنه في كل مرة يتفوق عليهم فنيا وبدنيا• ومن بين الأمور التي كان يعشقها، هي السباحة في إحدى المناطق الخطرة بالرغاية، وهي منطقة تدعى ''روشي بومطاح''، حيث كان يتنقل مع زملائه صباحا ولا يعودون إلا بعد صلاة المغرب، إذ كان يعيش بسعادة كبيرة هذه الأيام التي تعتبر من بين أجمل الذكريات التي يحتفظ بها من الطفولة التي قضاها في الجزائر•
مراد نجم منذ الصغر وأخوه أحسن منه بكثير في مداعبة الكرة
منذ سن الرابعة، كشف مراد عن إمكانيات كبيرة جدا في لعب كرة القدم، وهذا ما جعل كل من يشاهده يجزم بأنه سيكون نجما كبيرا في المستقبل• وشهد الجميع من عائلته أن أخاه الأكبر كان أحسن منه بكثير، لكن الإصابة التي تعرض لها على مستوى الركبة جعلته يبتعد عن الميادين ويحرم من النجومية، عكس مراد الذي كتب له أن يكون نجما، وأن يرفع العلم الجزائري عاليا، وأن يكون المدلل رقم واحد في الوطن، بعدما أبهر الجميع في صباه، ثم في شبابه بفرنسا، وأخيرا مع المنتحب الوطني بعد نضجه كرويا•
''الفجر'' تحاور أصدقاء الطفولة
علالي خالد: حبه للجزائر كبير جدا
من بين الأصدقاء الذين التقيناهم في أولاد هداج، والذين سبق لهم وأن تقاسموا أفراح الطفولة مع مراد، الشاب علالي خالد، الذي يبلغ من العمر 25 سنة تقريبا، مثل مراد، روى أن مغني إنسان متخلق ومحب للجزائر لدرجة لا توصف، ففي كل مرة كنا نسأله لماذا لا يحب فرنسا ويريد المجيء لأولاد هداج، كان يقول إنه يحب الجزائر وأصدقاءه فيها• كان يتكلم العربية جيدا فضلا عن الفرنسية، ولم ينس أبدا أصدقاءه في الطفولة، مما جعله محبوب كل أبناء أولاد هداج•
سعيدون فوزي: مراد أرسل لي لباس فريق رواندا في الأيام الأخيرة
أكد صديقه سعيدون فوزي أن مراد لم ينس أبدا أصدقاءه في الطفولة، حيث أرسل له منذ يومين فقط -منذ حوالي أسبوع- مع أحد الأصدقاء من إيطاليا اللباس الذي تحصل عليه في لقاء رواندا بعدما تبادل البذلة مع أحد اللاعبين الروانديين، حتى يبقى ذكرى جميلة في حال التأهل إلى كأس العالم، مؤكدا أن مراد يرسل للجميع الألبسة الرياضية واحدا بواحد حتى لا يلومه أي من أصدقائه، وهذا رغم أنه نجم كبير في نادي كبير مثل لازيو روما•
عبدي محمد: تبرع بمنحة الفوز على رواندا لبناء مسجد
ختمنا الحديث مع أصدقائه في الطفولة بالسيد عبدي محمد، الذي أكد أن تبرع مغني بمنحة الفوز على رواندا لبناء مسجد خير دليل على كرمه وحبه الكبير لأولاد هداج ولفعل الخير، وهذا ما جعل حب الناس له أكبر بهذه المنطقة وكل أنحاء الوطن، مؤكدا أن مراد لم يتغير بتاتا منذ الصغر وبقي هو ذلك الإنسان المتواضع الذي يحب أصدقاءه أكثر من نفسهّ، ويحب فعل الخير للناس قبل أن يحبه لنفسه، مما جعل منه نجما بالفطرة•
مغني بعد دخوله عالم الاحتراف مركز كلارموفنتان يبعده عن الجزائر 8 سنوات
مباشرة بعد دخول مراد عالم الاحتراف، من خلال دخوله إلى مركز كلارموفنتان، انقطع عن القدوم للجزائر قهرا، وتحول اللاعب إلى آلة مثل جل اللاعبين في أوروبا، يقرأ عن كرة القدم، يمارسها، ويعيش من خلالها، حيث لم يتمكّن من الخروج من هذه الدائرة إلى يومنا هذا• حياة مراد تحوّلت إلى احتراف بمعنى الكلمة، وحتى فرص رؤية الأب والأم قليل للغاية، وهذا قدر كل اللاعبين المحترفين في أكبر النوادي العالمية• مراد الذي كان يؤكد لأبيه، خلال مرحلة التكوين المغلق، أنه اشتاق للجزائر، فكان والده يجيبه أن أكبر شيء يمكنه تقديمه لها هو اللعب في صفوفها ورفع علمها عاليا في كأس العالم•
حافظ على صلاته وأخلاقه العالية ولم ينس أبدا أصوله الجزائرية
رغم دخوله عالم الاحتراف، وغيابه عن الجزائر لمدة فاقت الثماني سنوات، إلا أنه لم ينس لا صلاته ولا انتماءه الديني، حيث علمنا، على لسان عمه، أن مراد ظل مثلما يعرفه الجميع، بأخلاقه الحميدة وحبه الكبير للوطن، لا يمر أسبوع إلا ويتصل بعائلته، يسأل عن حالها وحال كل الأصدقاء الذين لم ينساهم رغم بعد المسافة والتغير الجذري في منحى حياته، إلا أنه بقي وفيا لتقاليده وحبه لأرض الوطن ومن فيها، على غرار أولاد هداج التي تربى فيها وترعرع يلهو فوق تربتها•
لقاء الأوروغواي وفرصة العودة إلى أرض الوطن
ثمان سنوات وأربعة أشهر وخمسة أيام، هي المدة التي فصلت آخر زيارة لمغني للجزائر سنة 2001 وزيارته الأخيرة بمناسبة لقاء الأوروغواي• مراد الذي اشتاق كثيرا لأصدقائه وعائلته الكبيرة التي استضافته بحفاوة كبيرة، عاد من جديد إلى أرض الوطن ودموع الفرحة بادية على وجهه، حظي باستقبال الأبطال، كيف لا وهو الذي اختار اللعب للجزائر بعدما عادت الأمور إلى مجاريها من جديد، وكان من صنّاع الفوز على منتخب الأوروغواي القوي• التقى بكل من أحبوه في الصغر وكل من أحبهم هو أيضا، وكانت لحظة تاريخية بالنسبة لمفخرة ''أولاد هداج''•
يزور بومطاح ويلتقي أصدقاء الطفولة
من بين العوامل التي تؤكد أن مراد لم يغيره الاحتراف ولا حتى الملايير التي يتلقاها من الأندية الأوروبية، هو زيارته للمكان الذي كان يسبح فيه في صباه والذي يسمى ''روشي مطاح''، وهذا رفقة العديد من أصدقائه الذين تربوا معه ولعبوا سويا كرة القدم، فرح بهم كثيرا وبكى بعد ملاقاتهم، وعبر عن سعادته الكبيرة بتواجده بينهم مرة أخرى بعد سنين طويلة جدا من الفراق، مؤكدا أنه لم ينساهم يوما منذ ابتعاده عنهم• قضى ساعات في أولاد هداج قال إنها الأسعد في حياته منذ ثماني سنوات•
عمه جيلالي يكشف سبب اختياره لفرنسا
في حديث جمعنا مع عم اللاعب مغني، وهو جيلالي الذي تكفّل بتربية مراد عندما كان يزور الجزائر، روى لنا أن مراد اختار اللعب في فرنسا لأنه البلد الذي تكفل بتكوينه، ولم يكن آنذاك يتجاوز الخامسة عشر من العمر، وهذا ما جعل لعبه في الفريق الفرنسي للناشئين شيء منطقي للغاية، لاسيما وأن مسؤولي الكرة في بلادنا لم يكلفوا أنفسهم عناء الاتصال به، فضلا عن سوء التسيير الكبير الذي كانت تعرفه الكرة في الجزائر، وهذا ما سمح لوالده بالتفكير طويلا والقبول بتشريفه لألوان المنتخب الفرنسي الذي تمكّن من ضمان حياة أحسن له وصنع له اسما من ذهب بعد فوزه بكأس العالم للناشئين رفقة يبدة•
كان يرتدي قميص ''الخضر'' ويحلم باللعب للمنتخب الجزائري
رغم اختياره لفرنسا، إلا أن مراد، حسب عمه جيلالي، كان في أعماقه يعشق الجزائر ويتمنى اللعب في صفوف فريقها الوطني، فمنذ صغره ومراد مغني يحب أن يلبس ألبسة رياضية بألوان المنتخب الجزائري، ويتباهى بها في الجزائر وحتى في فرنسا، وكان في كل مرة يحدث أباه وحتى أفراد عائلته ويؤكد لهم رغبته الكبيرة في تقمص ألوان ''الخضر'' منذ سن الخامسة من عمره، وهذا ما يثبت أن اختياره لفرنسا جاء بداعي الواقع والمنطق؛ أما الجانب الروحي والرغبة كانت تجذبه لفريق وطنه الأم الجزائر، وهو ما يفسّر قبوله وبسرعة كبيرة تقمص ألوان ''الخضر'' بعد سنّ قانون باهاماس الأخير الذي عاد بالفائدة عليه وسمح له بحمل ألوان بلده الجزائر•
....