السلام عليكم
إلى من كان يوماً أعز أصحابي
أيا صاحباً حَسِبْتَهُ كفاً يَمْسَحُ مَدامِعِي ..... وسقفاً يُؤويني من غدرِ الزَّمانِ المُخادِعِ
وأخاً لأقسى الشدائد يؤنس وحشتي ..... يصونني ويقف كالضرغامِ بِوجْهِ الطامعِ
ورداءً أتَّقي بِهِ قُرَّ شِتائيَ وَ يُدْفِئُني ..... وَيُنْبُوعاً يُسْقني عَذبَ الماءِ لأحلى المنابعِ
وَبَلْسَماً شافياً لِكُلِّ آلامي وَجِراحاتي ..... يَصُدَّ عني سِهامَ العدى وَضَربَ المباضِعِ
وأجنِحَةً أُحَلِّقُ بِها مَسروراً وَمُبْتَهِجاً ..... بِأَرجاءِ السَّما وَرَحْبِ أَبْعادِها الشّاسِعِ
وَصَدراً حَنوناً يَحْتَوي كُلَّ جَوارِحي ..... وَ قِيثارَةً تَشْدو بِالَّلحْنِ الشَجِيِّ السّاجِعِ
حَمَلْتُكَ مِثْلَ طِفْلٍ بَيْنَ أَكُفّي بِكُلِّ رِفْقٍ ..... وَتَخَيَّرْتُ لِسُقْياكَ أَنْقى حَليبِ المَراضِعِ
ضَمَمْتُكَ كَما تَضُمُّ النَّسْمَةُ عِطْرَ الزَّهرِ ..... بَلْ كَما تَضُمُّ أُمٌّ وَحِيْدَها الصَّريعِ المُنازِعِ
رَسَمْتُ صُورَتَكَ كَتَقِيٍّ يُسانِدُني يَنْصَحُني ..... حِينَ رآكَ الغَيْرُ غادِراً وَلَسْتَ بِنافِعِ
كُنْتُ أراكَ وَرِعاً نَقِيّاً صافياً وَتَسْتَحي ..... كاسْتِحْياءِ المُحْصَناتِ القانِتاتِ الخَواشِعِ
حينَ قُلْتَ لي ارْحَلْ ظَنَنْتُكَ ناصِحي ..... كُنْتُ جاهِلاً مِنْكَ مَغْزى كُلَّ تِلكَ الدَوافِعِ
رَحَلْتُ لَيْسَ عَنْ رَغْبَةٍ مِنّي أَو اشْتياقٍ ..... قَدَماً تَحْتَرِقُ وَأُخْرى تَهُمُّ بِالتَّراجعِ
خاطَبَني عَقْلي قَلْبي كُلّي تَرْجو عَوْدَتي ..... لَمْ أَلْتَفِتْ لَها وَسِرْتُ بِاضْطِرابِ التَّتابعِ
وَرَحَلْتُ .. أَلتَمِسُ دُروبي بِأَرْجاءِ الدُّنا ..... مَضَتْ أَيامٍ ثَلاثٍ وَجاءَ نَبَأُ الشُّؤْمِ بِالرّابِعِ
صَدِيقُكَ بَلْ أَخيكَ مَنْ أَمَّنْتَهُ لَمْ يَصُنْ غِيابِكَ ..... خانَكَ وَضَرَبَ بِعَرْضِ الحائِطِ كُلَّ الشَّرائِعِ
اسْتَوْطَنَتِ الخِيانَةُ قَلْبَكَ أَمْ هِيَ طِباعُكَ ..... أَمْ إِنَّكَ كُنْتَ أُسْتاذاً بِتَصَنُّعِ الوَفاءِ بارِعِ
لَمْ أَعْرِفُكَ جَيّداً أَمْ هِيَ سَرابٌ مِنَ الثِّقَةِ ..... أَمْ كُنْتُ مُغَفَّلاً وَجاهِلاً مِنْكَ هذي الطَّبائِعِ
ما إِنْ أَدَرْتُ ظَهْريَ إِلَيْكَ حَتّى اسْتَلَلْتَ ..... خِنْجَراً مَسْمُوماً لِتَدُسَّهُ بِقَسْوَةٍ بَيْنَ أَضالِعي
سَقَيْتُكَ أَلَذَّ الشَّهْدِ وَأَطْعَمْتُكَ حَنانِي ..... وَأَطْعَمْتَني غَدْراً وَسَقَيْتَني القُروحَ بِطَعْمٍ لاذِعِ
هَلْ تَغَيَّرَ زَمانُنا أَمْ هَيَ غَريزَةٌ فينا ؟ ..... وَهَلْ أَنا المُلامُ أَمْ أَنْتَ مَنْ كانَ غَيْرَ مُطاوِعِ
أَسْعِفْني أرجوك بِسَبَبٍ لِفِعالِكَ تِلْكَ ..... صاحِبي ما لَكَ أَجِبْ أَمْ تُراكَ لَسْتَ بِسامِعِ
لا أَعْذُرُكَ لا أُسامِحُكَ وَلَنْ أَنْدَمْ عَلَيْكَ ..... رَغْمَ أَنّي خَسِرْتُ الكَثيرَ مَعَكَ لَسْتُ بِجازِعِ
سَأَحْبِسُ دَمْعَتي وَأَكْبِتُ شارداتِ أَفْكاري ..... وَلَنْ أَشْتَري بِدِرْهَمٍ مَنْ كانَ لِعَهْديَ بائِعِ
مَحَوْتُ ذِكْراكَ وَدَفَنْتُ بِالوَحْلِ مَشاعِري ..... وَنَحَرْتُ صُحْبَتَكَ وَخَنَقْتُ أَيامَنا بِأَصابِعي